دراسة بعنوان
المطلقات، بين سندان الزوج والاهل، ومطرقة المجتمع
الكاتب والباحث: احمد محمود القاسم
تعاني المرأة المطلقة في المجتمعات العربية، في احيان كثيرة جدا، لصور كثيرة، من الإضطهاد والقمع، والذل والإمتهان، سواء من أسرتها وأهلها، أو من المجتمع بشكل عام، وكأن المرأة المطلقة امرأة جرباء، على الجميع أن يحذر لقاءها، خوفا من أن يمسسه منها بسوء، وعلى الجميع أن يتفاداها من كل النواحي، فلا المرأة تقبل ان تقترب منها، ولا حتى الرجل كذلك، والكل يعايرها بكونها مطلقة، وكأنها هي أول وآخر المطلقات، ولا أحد يفكر بأسباب طلاقها، حتى لا يظلمها وينبذها بهذا الشكل، بدون وجه حق، وهل كان طلاقها بسبب منها؟ أو بسبب من زوجها ؟؟؟ وما هي الدوافع لحدوثه؟؟؟ وكم عانت الزوجة وصبرت وتحملت من ذل وهوان زوجها، حتى لا تتطلق، اكراما لأولادها إذا كان لديها اولاد، واحتراما لسمعتها وسمعة اهلها وخلافه، فالزوجة المطلقة، علمت وعرفت وسمعت، قبل طلاقها، كم هو وضع المطلقة، سيكون صعبا لو أنها تطلقت، وستكون في اسوأ أوضاعها، اذا لم تجد من يأويها أو تستند اليه بعد طلاقها، وتعرف تماما، كم هي المرأة المطلقة منبوذة في مجتمعاتنا العربية من المحيط الى الخليج، وتعرف المثل الذي يقول جيداظل راجل ولا ظل حيط)، فهي تتحمل كثيرا، وبكل ما لديها من القوة والاستعداد على التحمل، ولا تقبل بالطلاق طواعية، الا في حالات شاقة جدا، لوقعه الصعب عليها، وعلى مستقبلها، وعلى أفراد أسرتها وأهلها، ولكن اذا طفح الكيل بها كثيرا، ولم تعد تستطيع التحمل أكثر، فهي تفضل الطلاق، وتطلبه، ومهما كانت عواقبه وخيمة وصعبة، فلا بديل عنه، عندما يكون هو الحل الأمثل لمشكلتها ومأساتها.
اضافة لمعاناة المرأة المطلقة، من أسرتها وأهلها، وما تسمعه من لوم لها وتأنيب، لأنها تطلقت، فان المجتمع والبيئة المحيطة بها، تلاحقها اينما رحلت، واينما حلت، ولا تبقي لها شيئا، فهي لا تستحق الزواج مرة اخرى من رجل آخر، اذا ما تقدم شخص ما للزواج منها مرة أخرى، كونها تعتبر في نظر البعض منهم، امرأة ساقطة، وقذرة وقوية وغيرها من الصفات غير الموضوعية، وغير المسؤولة، التي يصبغونها بها، حسب رأيهم طبعا، وحتى لو وجد من الرجال من يرغب بالزواج من مطلقة مرة أخرى، فقد تعمل بعض الجهات الأخرى، القريبة او البعيدة منها، أو ممن يرغب بالزواج منها، على تحريض الشخص وحثه بعدم الزواج من إمرأة مطلقة، ويقنعونه بشكل أو بآخر، بأن طلاقها كان لأسباب كبيرة، اضطر زوجها على اساسها من تطليقها، ولولا كونها سيئة السمعة جدا، ما طلقها زوجها، وهكذا دواليك، مع انها قد تكون حقا مظلومة، وهي من طلبت الطلاق، للخلاص من زوجها الشرير، وقد تفضل المطلقة الموت، في اوقات كثيرة، على تحمل هذه الحياة، التي كلها دس وفتن ونميمة، ولا ان تسمع الكثير من القيل والقال بحقها، بما يمس شرفها وسمعتها وشخصيتها وكرامتها، وبذلك تكون المطلقة، واقعة بين سندان الأهل، ومطرقة المجتمع، فهي على الطالع والنازل، لن تسلم من كلام الأهل، ولا كلام الجارات والمعارف، فهي منبوذة ومذمومة، وغير مرغوب بها من أحد، والكل يحاول اسماعها، بان طلاقها كان خطأ جسيما، وبقائها معه اشرف لها كثيرا، مع حياتها هذه، بعد ان تم تطليقها، فلن تجد المطلقة مناصا لها، الا ان تسكت وتتحمل كل القيل والقال، درءا للعار، وكما يقولون، عليها أن تضع تفاحة في فمها وتسكت، تحت كل الظروف، كونها أصبحت مطلقة، وبغض النظر عن كل الأسباب والمسببات التي حملتها الى هذا الوضع.
اضافة الى مشاكل المرأة العربية العديدة، التي تعاني منها من المحيط الى الخليج، من قمع واضطهاد من قبل بعض الرجال بشكل عام، وتفكيرها في مشاكل عنوستها، ومع هذا وذاك، وبغض النظر عن الأسباب والمسببات، تبقى المرأة المطلقة بشكل عام، منبوذة من الرجل العربي بشكل مضاعف، وحتى في داخل اسرتها وبين اهلها، ومن بنات جنسها أيضا، فالنظرة الى المرأة المطلقة غالبا، نظرة مشينة وقاسية وسلبية، فيقولون عنها مثلا، ان زوجها هو من طلقها، لأنها ساقطة، أو عاهرة، أو انها تخون زوجها، أو انها تسير على حل شعرها، وغيرها من الأوصاف البذيئة، والتي قد لا يكون لها اساس من الصحة، وقد تكون المطلقة هي من طلبت الطلاق من زوجها كما ذكر سابقا، لعدم قدرتها على تحمل زوجها، ومجاراة طلباته التي قد تكون غير شرعية ومشينة بحقها، ولقسوته وخشونته معها، أو لعدم قدرة زوجها على الصرف عليها وعلى اسرته بشكل محترم، وقد يكون زوجها عاطل عن العمل، ولا يرغب بكسب رزق قوته اليومي والبحث عن عمل مناسب له، ويود أن يبقى عالة على زوجته والمجتمع، وقد يكون الزوج مريضا بمرض ما، لا يستطيع اعالة زوجته واسرته، ولا تستطيع زوجته اعالته، مما يضطرها الى طلب طلاقها منه، والبحث لها عن زوج مناسب يعيلها، وهناك اسباب كثيرة اخرى، تضطر الزوجة التخلي عن زوجها، مع أن الحديث النبوي الشريف حلل الطلاق، وبغضه أيضا في نفس الوقت، لقول الرسول الكريمابغض الحلال عند الله الطلاق)، ويبقى الطلاق شر لا بد منه في أحيان كثيرة، وحقيقة وقعه وشره على الزوجة، أكثر كثيرا، من وقعه وشره على الزوج، خاصة اذا لم تكن الزوجة موظفة ايضا.
المعروف، ان من أهم أسباب الطلاق بشكل عام، وقوع المشاجرات التي تحدث بين الزوجين باستمرار، وتحول دون تفاهمها، واستمرار معايشتهم خلال الحياة الزوجية، وتعود اسباب هذه المشاجرات لمشاكل عديدة بين الزوجين، قد يكون المسبب بها الزوج، أو قد يكون المسبب بها الزوجة ايضا، وان كانت معظم اسباب الطلاق، تعود للرجل ومشاكسته لزوجته، ومن أهم هذه الأسباب والمسببات، عدم وجود توافق جسمي وفكري وثقافي بين الزوجين، واهمال الزوج لزوجته ولأسرته، وعدم الصرف عليهم بشكل دائم، أو انعدام اخلاقيات الزوج، ولجوئه الى اعمال مشينة، كمعاقرة الخمرة والحشيش، ولعب القمار، والسهر خارج المنزل، لأوقات متأخرة من الليل، وعدم قيامه بالواجبات الزوجية وخلافه، وقد تكون لعدم قدرة أحد الزوجين على الإنجاب، او عدم التفاهم بين الزوجين، لاختلافات في العمر، أي وجود فارق في السن كبير جدا بين الزوجين تحول من فهم كل منهما للآخر، وقد تعود، لأختلافات حادة في الطباع بينهما، لمجيئهم من بيئتين مختلفتين، وفي احيان اخرى لحدوث، الخيانة الزوجية من أحد الزوجين، وقد يكون السبب يعود لعامل الفقر، وعدم قدرة الزوج على الأنفاق على زوجته واسرته, و لجوئه الى ضرب زوجته بشكل عنيف ومؤلم ومتكرر، وايذائها في جسدها، أولجوء بعض الأزواج، للزواج من سيدة اخرى، لأشباع رغباته الجنسية، بدون علم أو موافقة زوجته الأولى، مما يضطرها الى طلب طلاقها منه، لعدم قبولها بالوضع الجديد، أو قد يكون السبب، وجود فائض مالي لدى بعض الأزواج، ويرغب بالزواج على زوجته، على اساس أن من حقه الشرعي بتعدد الزوجات، لتمتعه بقدرة على الانفاق والصرف بغير حساب، واحيانا اخرى، ادعائه بحبه للأولاد وبكثرة الأنجاب، وقد تكون من أسباب الطلاق، هو عدم عدل الزوج بين الزوجات في حالة زواجه بأكثر من زوجة واحدة، مما يضطر الزوجة الأخرى، بطلب الطلاق من زوجها، وقد يكون الطلاق راجع لاختلافات بالمستوى التعليمي والاجتماعي بين الزوجين، أو تفشي مرض خطير بين أحدهما، لا يرجى شفاؤه، يحول من تواصل الحياة الزوجيه بينهما، وقد يكون من الأسباب طلب الزوج بالأحتقاظ براتب زوجته لديه، فيما اذا كانت زوجته موظفة، حيث يعتبر الزوج راتبها من حقه، وقد يطلب الزوج من زوجته طلبات غير شرعية، تكون غير قادرة على تلبيتها، وفي هذا المجال، يقال ان للمحطات الفضائية، والتي تعرض افلاما اباحية، أثر في زيادة نسبة الطلاق، حيث يطلب بعض الأزواج من زوجاتهم تقليد ما يعرض على مثل هذه القنوات من افلام اباحية، ولكن الكثير من الزوجات، يرفضن ذلك، ويفضلن الطلاق على القيام بمثل ما يعرض أمامهن من ممارسات، كما ادى انتشار الهواتف الخلوية الى زيادة نسبة الطلاق والزواج ايضا، وذلك لسهولة الأتصالات والتعارف بين افراد المجتمع، وتختلف اسباب ظاهرة الطلاق من مجتمع عربي لآخر، ووفقا للعادات والتقاليد السائدة في المجتمع، وان كانت في معظمها ذات خلفية مادية واخلاقية.
ظاهرة الطلاق تزيد الطين بلة، وتفاقم من ظاهرة اخرى معروفة في المجتمعات العربية، وهي ظاهرة العنوسة، بحيث يفوت الشابة قطار الزواج، ولا تستطيع اللحاق به، لأسباب خارج ارادتها.
أوضحت الدكتورة سلوى الخطيب، وهي باحثة سعودية في ندوة عن الطلاق، نشرت في مجلة الحياة السعودية بتاريخ17/01/2008م، أن من أسباب الطلاق انواع الزيجات الحديثة أيضا، أي «الزيجاتالعصرية»، وحملتها مسؤولية ارتفاع معدلات الطلاق في المجتمع السعودي، وعزت سببه، الى زوجات «المسيار» و «المسفار»، إضافة إلى كثرة الأزواجالذين لديهم علاقات غير شرعية مع «عشيقاتهم».
اعتمدت د. سلوى في ذلك على عينات منمطلقات، أخذتها في دراستها، اتضح من خلالها أن (30%)منهن، تطلقن لهذينالسببين، حيث قالت: «أن بعضالمطلقات، ذكرن لها، أن زواج المسيار، كان السبب في طلاقهن، لإهمال الزوجحقوق زوجته، وعدم قيامهبمسؤولياته نحو أبنائه أيضا». واستشهدت بمطلقات، كان سبب طلاقهنعدم هجر أزواجهن لعشيقاتهم بعد الزواج.
تابع